الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والجواب عن قوله ما الفائدة في ذكر الخمسة بعد ذكر الثلاثة وقوله تعالى: {ولا أكثر} يغني عنها وعن غيرها إلى ما لا يتناهى أنه سبحانه أراد أن يعرّفنا كيفية التنقل في هذه الأعداد صاعدا من الثلاثة إلى الخمسة ليعلم أن الإشارة إلى جميع رتب الأعداد وأن كيفية التنقل في البقية ككيفية في الخمسة فإن قيل: فلم كان هذا التعريف بالأربعة التي ألفيت وكان ذكرها أولى لأن الانتقال من الثلاثة إلى الأربعة أصحّ من الانتقال من الثلاثة إلى الخمسة فإن مجيء العدد على ترتيب أصح من مجيئه على غير ترتيب وكان يحصل الغرض من تعريف كيفية الانتقال بذلك؟ قلت: منع من ذلك أمران: أحدهما الخشية من مجيء نظم الكلام معيبا لثقله على النطق والسمع لبشاعة تكرار لفظ التربيع بغير حاجز تباعد أحد اللفظين عن الآخر فإنه لو قيل {إلا هو رابعهم} ولا أربعة، لثقل الكلام لمجاورة لفظتين فيهما أربعة أحرف من حروف الحلق وهما العينان والهاءان وقد عاب الآمدي على أبي تمام مثل هذا في قوله:
وسمّاه معاظلة وهي أفظع العيوب التي نفاها عمر بن الخطاب عن شعر زهير حين وضعه وإن كان غير الآمدي قد عدّ المعاظلة غير هذا، والأمر الثاني الذي منع من ذكر الأربعة فرار ناظم الكلام البليغ من تكرار المعاني والألفاظ بغير فائدة ولو انتقل إلى الأربعة لتكرار الحكم فإن الحكم عليها قد جرى في الخمسة، فإن الخمسة أربعة وزيادة فالأربعة داخلة فيها، فما جرى عليها من الأحكام جرى على الأربعة، وللفرار أيضا من ذكر الشفع والعدول عنه إلى ذكر الوتر من المزايا التي يستوجب بها الذكر دون الشفع ما ليس لغيره وفي هذا الجواب الذي جاء عن السؤال الثاني جواب عن السؤال الثالث، وأما الجواب عن السؤال الرابع وهو قوله: لم لم ينتقل من الخمسة إلى السبعة كما انتقل من الثلاثة إلى الخمسة وينتهي إلى ذلك الحد ولا يهمل هذا العدد المختص بخصائص أودعها اللّه تعالى فيه من أجلها جاء وفقه عدد السموات والأرض وأيام الدهر وأقاليم الأرض وأشياء لا يتّسع المكان لذكرها فنقول: كان المراد تعريف كيفية الانتقال وقد حصل ذلك بذكر الخمسة فإعادته في عدد آخر إطالة لا فائدة فيها قد استغني عنها بما قبلها، ولو روعي للسبعة ما لها من الخصائص لوجب أن يراعى للتسعة ما لها من الخصائص أيضا وليس المراد من الآية التنبيه على خصائص الأعداد إنما المراد ما ذكرناه وإلا متى اعتبرت خصائص الأعداد وجدت الخمسة مختصّة بما لم يختصّ بها غيرها من العدد، فمن خصائصها التي انفردت بها أنها أول عدد جمع ثلاثة أوتار الواحد والثلاثة والخمسة ومنها أن عدد أوتارها وتر وهذا ليس لغيرها من جميع أعداد مرتبة الآحاد ولا ما بني على أصلها وتفرّع منه فإن الثلاثة إنما جمعت وترين وعدد أوتارها شفع كذلك، والسبعة فإن جمعت أربعة أوتار فعدد أوتارها شفع وهي مركبة بالنسبة إلى الخمسة لأنها خمسة وزيادة والخمسة بسيطة بالنسبة إليها والبسيط أصل المركب والتسعة وإن جمعت أكثر من السبعة وجاء عدد أوتارها وترا فهي مركبة بالنسبة إلى السبعة التي هي مركبة بالنسبة إلى الخمسة فالخمسة بالنسبة إليها أصل الأصل ولما كانت بهذه المثابة كان ذكرها أولى من ذكر السبعة ووجب الإتيان به لينبّه على ما لها من الشرف والفضل دون غيرها ويجب الوقوف عندها ويقتصر في تعريف الانتقال عليها، وبذلك يتحقق أن مجيء نظم الآية على ما جاء عليه أبلغ مما توهمه مورد السؤال ومفرد الإشكال.وقال الكرخي: وخصّ الثلاثة والخمسة بالذكر لأن قوما من المنافقين تخلّفوا للتناجي وكانوا بعدّة العدد المذكور مغايظة للمؤمنين فنزلت الآية بصفة حالهم وتعريفا بهم، أو لأن العدد المفرد أشرف من الزوج لأن اللّه تعالى وتر يحب الوتر فخصّ العددان المذكوران بالذكر تنبيها على أنه لابد من رعاية الأمور الإلهية في جميع الأمور ثم بعد ذكرهما زيد عليهما ما يعمّ غيرهما من المتناجين.وللخازن عبارة لطيفة نوردها فيما يلي استيفاء للبحث قال: فإن قلت: لم خصّ الثلاثة والخمسة؟ قلت: لأن أقل ما يكفي في المشاورة ثلاثة حتى يتم الغرض فيكون الاثنان كالمتنازعين في النفي والإثبات والثالث كالمتوسط الحاكم بينهما فحينئذ تحمد المشاورة ويتم الغرض وكذا كل جمع يجتمع للمشاورة لابد من واحد يكون حكما بينهم مقبول القول، وقيل إن العدد الفرد أشرف من الزوج فلهذا خصّ اللّه تعالى الثلاثة والخمسة. .[المجادلة: الآيات 8- 10] {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاءُوكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقولونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقول حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)}.الإعراب: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ} كلام مستأنف مسوق لبيان نمط آخر من تناجيهم وتغامزهم فيما بينهم وهم اليهود والمنافقون كلما رأوا المؤمنين يريدون بذلك إثارتهم وإذكاء حفيظتهم وطالما نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بيد أنهم لا يكادون ينتهون حتى يعودوا لمثل فعلهم. والهمزة للاستفهام التقريري ولم حرف نفي وقلب وجزم و{تر} فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة والفاعل مستتر تقديره أنت و{إلى الذين} متعلقان بتر وجملة {نهوا} لا محل لأنها صلة الموصول و{نهوا} فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل و{عن النجوى} متعلقان بنهوا، {ثم} حرف عطف للترتيب مع التراخي و{يعودون} فعل مضارع مرفوع، وعدل عن صيغة الماضي المناسبة للعطف لسر لطيف وهو استحضار صورة العود وتجدده وتجسيده، و{لما} متعلقان بيعودون وجملة {نهوا} صلة و{عنه} متعلقان بنهوا.{وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ} الواو عاطفة و{يتناجون} فعل مضارع معطوف على {يعودون}، وفي صيغة المضارع ما تقدم آنفا من تجسيد واستحضار وتجدد، و{بالإثم} متعلقان بيتناجون {والعدوان} عطف على الإثم و{معصية الرسول} عطف أيضا.{وَإِذا جاءُوكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} الواو عاطفة و{إذا} ظرف لما يستقبل من الزمن وجملة {جاءوك} في محل جر بإضافة الظرف إليها والواو فاعل والكاف مفعول به وجملة {حيّوك} لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم و{بما} متعلقان بحيّوك أي خاطبوك و{لم} حرف نفي وقلب وجزم و{يحيك} فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة والكاف مفعول به و{اللّه} فاعل أي بما لم يشرّعه اللّه ويأذن به، وفي المصباح: وحيّاه تحية أصله الدعاء بالحياة ومنه التحيات للّه أي البقاء وقيل الملك ثم كثر حتى استعمل في مطلق الدعاء ثم استعمله الشرع في دعاء مخصوص وهو سلام عليك.{وَيَقولونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقول} الواو عاطفة أو حالية و{يقولون} فعل مضارع والواو فاعل و{في أنفسهم} حال و{لولا} حرف تحضيض أي هلّا و{يعذبنا اللّه} فعل مضارع ومفعول به مقدّم وفاعل مؤخر و{بما} متعلقان بيعذبنا وما مصدرية أي بقولنا ويجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف أي بالذي نقوله والجملة مقول القول.{حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} {حسبهم} مبتدأ و{جهنم} خبر وجملة {يصلونها} حال والفاء الفصيحة وبئس فعل ماض جامد لإنشاء الذم و{المصير} فاعل والمخصوص بالذم محذوف أي هي.{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ} {إذا} ظرف لما يستقبل من الزمن متضمن معنى الشرط وجملة {تناجيتم} في محل جر بإضافة الظرف إليها والفاء رابطة لجواب إذا ولا ناهية و{تتناجوا} فعل مضارع مجزوم بلا والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم و{بالإثم} متعلقان بتتناجوا {والعدوان} عطف على قوله: {بالإثم} {ومعصية الرسول} عطف أيضا.{وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} الواو عاطفة و{تناجوا} فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل و{بالبرّ} متعلقان بتناجوا {والتقوى} عطف على البرّ، {واتقوا اللّه} فعل أمر وفاعل ومفعول به و{الذي} صفة للّه و{إليه} متعلقان بتحشرون و{تحشرون} فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل والجملة لا محل لأنها صلة الموصول.{إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} {إنما} كافّة ومكفوفة و{النجوى} مبتدأ و{من الشيطان} خبر واللام لام التعليل ويحزن فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام واللام ومجرورها خبر ثان، ويقال حزنه وأحزنه بمعنى، و{الذين} مفعول به وجملة {آمنوا} لا محل لها لأنها صلة وقيل إن الموصول فاعل يحزن.{وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} الواو حالية و{ليس} فعل ماض ناقص واسمها مستتر تقديره هو والباء حرف جر زائد وضارّهم مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ليس و{شيئا} مفعول مطلق أي شيئا من الضرر و{إلا} أداة حصر و{بإذن اللّه} متعلقان بضارّهم.{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} الواو عاطفة و{على اللّه} متعلقان بيتوكل..[المجادلة: الآيات 11- 13] {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (13)}.اللغة: {تَفَسَّحُوا} توسعوا ولا تتضايقوا وفي الأساس: افسحوا لأخيكم في المجلس وتفسحوا له وأما لك في هذا المكان منفسح.{انْشُزُوا} انهضوا للتوسعة على المقبلين وفيه الأساس: علوت نشزا من الأرض ونشزا وأنشازا، ونشز الشيء ارتفع ونشز عن مكانه ارتفع ونهض وإذا قيل انشزوا فانشزوا وأنشزه رفعه من مكانه.وللنون مع الشين فاء وعينا خاصة عجيبة وهي الدلالة على السرعة والارتفاع يقال: أنشأ اللّه الخلق فنشئوا وأنشأ قصيدة وشعرا وعمارة وأنشأ يفعل كذا ومن أين نشأت وأنشأت أي نهضت، ونشب العظم في الحلق والصيد في الحبالة ومخالب الجارح في الأخيذة وتنشب وأنشب فيه مخالبه ورماه بنشابة وتراموا بالنّشّاب والنشاشيب وفي جميع ذلك يبدو معنى السرعة واضحا ونشب الشر والحرب بينهم نشوبا ولم ينشب أن قال بمعنى ما لبث، ونشج الباكي نشيجا وهو الغصص بالبكاء وارتفاعه وتردده في الصدر، وأنشدني شعرا إنشادا حسنا لأن المنشد يرفع بالمنشد صوته، ونشر الثواب والكتاب ونشّر الثياب والكتب وصحف منشّرة وملاء منشّر ونشر اللّه الموتى نشرا وله نشر طيب وهو ما انتشر وارتفع من رائحته قال المرقش يصف نساء:ونشّ اللحم في المقلاة نشيئا والخمر تنش إذا أخذت تغلي، ورجل نشيط طيب النفس للعمل مسرع فيه، ونشع الصبي الدواء وأنشعه أوجره فانتشعه والإسراع ملحوظ فيه وإنه لمنشوع بأكل اللحم إذا كان مشغوفا به، ونشف الماء بنفسه أسرع في النضوب، ونشق الظبي في الحبالة نشب فيها وقد مرّ معنى ذلك واستنشقت الريح وتنشقتها قال المتلمس: ونشل اللحم من القدر بالمنشل والمنشال وهو حديدة في رأسها، عقّافة، ونشّم اللحم أسرع إليه الفساد وأروح قال علقمة: أي يطعمون الماء المطحلب واللحم المروح، غلّب فقال طعامهم، ونشّموا في الشر ودقوا بينهم عطر منشم قال زهير: و رجل نشوان أسرعت النشوة إليه وامرأة نشوى وقوم نشاوى ونشيت منه رائحة طيبة واستنشيت وهذا من عجائب ما تتميز به اللغات.
|